لأني سأبدأ في سرد الأحداث في أمريكا منذ الآن، أحب أن أرسم بعض الملامح، لا أتمنى أن أكون رفاعة الطهطاوي - مع كامل الاحترام - ولا غيره، ولا أتمنى أن أكون ناقلًا للانبهار الذي يراد أن يزرع في الشرق لكل ما هو غربي، ولا أريد أن أؤمن وأمثل لنظرية المؤامرة الكاملة وأننا لا نملك أمرنا، فقط سأسرد الأحداث وأعلق عليها من وجهة نظري، وكل خير وحق وجمال هو موجود في شريعتنا وكان في حضارتنا، وكل شر وشذوذ هو الضد، فلا انبهار ولا هجوم بحت. إطراء لكل من هو جيد، وانتقاد لكل ما هو غير ذلك.
أخدونا من مطار فلادلفيا لمنتجع يعتبر للاسترخاء والتأمل اسمه "بندل هل"، حي في ضواحي فلادلفيا مش في قلب المدينة وبعيد عن
العمار، مكان كله خضره وهدوء وبعيد عن الزحمة والدوشة وحتى بعيد نسبيًا عن أقرب خدمات، وفيه اكتفاء ذاتي لحد كبير لأن معظم الأكل والشرب بيجوا بكميات كبيرة على المطبخ اللي كل النزلاء والسكان بيتجمعوا وبياكلوا فيه.
المكان مش بس منتجع كدا للاسترخاء والتأمل بيستقبل أي حد عاوز ينزل فيه ويقيم فترة أجازة، بيستقبل كمان كتاب عاوزين مكان هادئ يكتبوا، وإحنا هناك قابلنا ناس رايحين يكتبوا تجاربهم الروحانية، وبيستقبل طلبة زيينا، المكان أصلًا قائم عليه وينظمه ويملكه مجتمع من ، الناس يدينون بدين الكويكرزم، وهما يطلق عليهم كويكرز. وبيسموا نفسهم الأصدقاء، أو مجتمع الأصدقاء.
المثير للاهتمام إن ويليام بن وهو مؤسس ولاية بنسلفينا واسم الولاية مشتق من اسمه كان كويكر، وإنهم متميزين جدًا في مجال العلوم وفي معدلات الذكاء ومدارسهم تعد من أفضل مدارس أمريكا على الإطلاق، وأي حد يقدر يدخلها، ودا لأنهم عندهم روحانيات عالية وبيركزوا على العلوم الإنسانية، ويبعدون كل البعد عن كل ما له علاقة بالحروب، فلا يشتركون ولا يدفعون ضرائب للجيوش، يؤمنون بالسلام الكامل على الأرض، ويعاملون كل شخص على أنه جزء من الإله، يمكن نشبه دا في الإسلام بأن الله نفخ في الإنسان من روحه.
مؤسسو الكويكرز هما اللي تلقوا الإلهام وكتبوا كتب الكويكرز، هم لا يؤمنوا إنها وحي، وبيقولوا إنهم بيحترموا ويقدروا كل الأنبياء، ويؤمنون أن عيسى ليس ابن الله، والكويكرز عموما هادئين وطيبين ومسالمين جدًا، عندهم تعاليم تبدوا غريبة، كعدم إزالة شعر الجسم، والموضوع قد يكون مقبول للرجال، لكن ممكن تشوف ست منهم بشعر في وجهها مثلًا.
واحنا في الطريق من المطار، كل الناس بدأوا يتكلموا ويتعرفوا مع بعض، إلا أنا ريحت لأني كنت فاصل شحن والجيوب الأنفية مع الصيام عملوا معايا السليمة، وصلنا والأتوبيس وقف قدام البيت الرئيسي في حي بندل هل، ولما وصلنا بصيت على الخضرة والمغرب كان قرب وحسيت إني باشوف حاجات بنور حوالين عنيا زي النجوم، قلت لنفسي بس أنا كدا وصلت لمرحلة الهلاوس، وبقيت أشوف حاجات غريبة من كتر التعب، لما نزلنا أخدت بالي إن دي اللي بيسموها الحشرة المضيئة المشهورة في أفلام الكارتون. شكلها جميل جدًا بتنور وهيا بتتحرك لمدة ثانية تقريبا وتحس إن فيه نور دهبي بينور ويطفي وسط الخضرة بعشرات منهم. فيديو ليهم.
دخلنا البيت الرئيسي ولقينا الدكاترة المنظمين واللي ماسكين البرنامج ومعظم الأساتذة موجودين، دا موقع المنحة، ودول كل المشرفين والدكاترة والأساتذة والمتدربين، كان في انتظارنا د.ريبكا من مدراء البرنامج ودكتورة في الجامعة وهيا من الكويكرز، د.باربرا وهي مديرة للبرنامج ويهودية، د. رسيل وهي دكتورة في الجامعة والمسؤولة عن حقوق الإنسان والحقوق المدنية، د.جولي وهيا دكتورة كبيرة ومن أهم مديري البرنامج ومسيحية وأطيب شخصية ممكن تقابلها على وجه الأرض.
نزلنا شنطنا ودخلنا البيت الرئيسي، رحبوا بينا وقالولنا ايه هنتوزع عشان نسكن هنا، فقسمونا مجموعتين كل مجموعة في بيت، وكل اتنين مع بعض في أوضة، وسألوا إذا كان حد صايم وكنت أنا، قالولي أفطر وكان فيه شوية خضار وفاكهة ومكسرات ومشروبات موجودة كسرت صيامي عليهم، وقالولنا نظام الأكل ومواعيده المطبخ الكبير، وهو في البيت اللي أنا هسكن فيه، وقالولي أخد مفتاحي وأطلع الحاجة وأنزل المطبخ وهلاقي أكل كتير في التلاجة.
طلعت شنطي، ونزلت المطبخ، حاجة ضخمة وفخمة، وأوضة الأكل كبيرة لأنهم كلهم بيتجمعوا فيها، وأول ما دخلت المطبخ لقيت واحدة في أواخر العشريناينات ومحجبة، ألقيت السلام وردت عليا، فتحت التلاجة وبدأت أخرج حاجات أكلها، حاجات كلها خضروات وفواكه، أكل الكويكرز كله عموما أورجانيك وطبيعي وصحي جدًا، شوية وراجل تاني جه، زوج الشابة المسلمة، اسمها زينب واسمه صالح، صالح تركي، وزينب أصلها تركي واتولدت وعاشت في ألمانيا، وهما الاتنين عايشين في واشنطن، عزموني أقعد معاهم على الأكل وكانوا طابخين شوية أكل، عزموا عليا وأنا كلت معاهم. قعدنا نحكي شوية وذكرت لزينب إني عشت في ألمانيا وأنا صغير مع أسرتي لأني والدي كان بيحضر الدكتوراة هناك، سألتني فين؟ قولت أنا بصراحة مش فاكر الولاية وفاكر اسم المدينة وهي مش مشهورة، قول بس، قولتلها مدينة ماينز، اتصدمت وقالتلي أنا عشت طفولتي في ماينز! فعلا الدنيا صغيرة!
كل دا على الدوام وأنا باعطس عطس رهيب، قالولي المطبخ فيه مشروبات سخنة وقهوة والميا السخنة في الجهاز جاهزة دايمًا، أخدت حاجة سخنة وطلعت على أوضتي أنام أو بمعنى أصح أموت وأفصل من الحياة شوية لأني وصلت لقمة التعب والإنهاك، اتفقت مع صالح وزينب إننا نصحى نتسحر سوا ومحمد كان جه قعد معانا وقالي تعالى صحيني في بيتنا.
طلعت الأوضة، وزميلي في الأوضة جاد من لبنان، لقيته مطلع مصحف عرفت إنه مسلم، بس الفضول خلاني اسأله، جاد مش قصدي أي حاجة بالسؤال بس حابب أعرف هل أنت سني؟ قالي نعم، اتعرفت عليه شوية، وأنا قاعد أعطس بفظاعة، دخلت على الانترنت من اللاب والموبايل وبعت شوية رسايل وكتبت على الفيس عشان أطمن الأسرة والأصدقاء.
ظبطت المنبه على السحور، نمت زي السمكة اللي اصطادوها وسابوها ترقد في سلام، صحيت السحور على المنبه ومش قادر من التعب، لكن تحاملت على نفسي وقمت، جاد مش على سريره ومش في الأوضة، يمكن يكون مع حد من أصحابه أو زمايله اللبنانين، رحت البيت التاني وأنا لابس حاجات كتير وأتقل حاجة عندي ولافف الشال على رقبتي، صحيت محمد ورجعنا المطبخ في بيتي، لقيت صالح وزينب عملوا بيض وحمص وشوية أكل، وإحنا سحبنا زبادي وشوية خضار وفاكهة من التلاجة وقعدنا ناكل معاهم.
اتضح بعد كدا إن صالح وزينب الدكاترة المسلمين اللي معانا في البرنامج، يدرسوا الإسلام وبياخدوا بالهم من الطلبة المسلمين خصوصا في الصيام والأكل الحلال وخلافه، صلاح وزينب دكاترة جامعة ومتخصصين في الإسلام والدراسات الإسلامية، وبجانب إنهم بيدرسوا في جامعات في واشنطن، فهما عايشين في المدينة الجامعية لجامعة جورج تاون، دي جامعة كاثولكية بتدرس أديان وعلوم دينية وغيرها، بس الجامعة بيجيها طلبة من كل الأعراق والأديان، فالجامعة بتخلي زوجين كاثوليك ومسلمين ويهود وأحيانا أديان تانية يعيشوا في المدينة الجامعية علشان ياخدوا بالهم من الطلاب والطلاب يلجأوا ليهم في الأمور الدينية ويسألوهم وياخدوا رأيهم ويستشيروهم ويطلبوا منهم النصح! صباح الفل!
خلصنا سحور واتفقنا نتسحر ونفطر كل ومع بعض ودا استمر لآخر رمضان، وغالبًا مش هنكرر الكلام عنه إلا في مناسبات معينة، صليت الفجر، ونمت عشان أصحي الصبح لأن جدول البرنامج يبدأ الصبح، صباح باكر، صحينا الصبح ومعظم الطلبة مش صايمين وراحوا فطروا في المطبخ، أنا نزلت علطول على أول معاد وكان مكان المقابلة في المطبخ.
ترحيبات للبرنامج، وشرحولنا إننا هنملأ استبيان فيه أسئلة اختيارية كتير يبان من خلالها مقدار تسامحنا من ناحية ومعرفتنا بتاريخ التسامح الديني والتعايش في أمريكي، قعدنا نحل وأخدنا وقتنا واللي منعرفهوش منحلوش، وقالولنا إن الاستبيان دا مش مقصود بيه أي حاجة، إحنا بس بنقيس مستوانا أول البرنامج وهناخد نفس الاستبيان في آخره عشان نلاحظ التطور، بعد الاستبيان وزعوا علينا ورق وأظرف، كل واحد يكتب توقعاته والحاجات اللي نفسه يتعلمها ويعرفها من البرنامج دا ويحطه في الظرف ويسلمه. وبعد كدا كان عندنا وقت راحة.
اتحركنا للمطعم عشان الغدا، أنا ومحمود ومحمد مكاناش بناكل لأننا صايمين، لكن كنا بنروح المطعم نتكلم مع الناس ونتعرف على ناس من الكويكر وناس من النزلاء، أنا ومحمد اتعرفنا على رجالة كبار كتير واتناقشنا معاهم في مواضيع مختلفة، ودايما طول رحلتلي كنت باسرد الأحداث في مصر من وجهة نظري وعن الثورة والانقلاب وعن كفاحنا خاصة كطلبة ضد الانقلاب.
راجل كبير من الكويكر، شكله بسيط جدًا، قعد يحكيلي حكايته من الأديان، كان مسيحي كاثوليكي، وراح حرب من حروب أمريكا وبعد اللي شافه وعمله في الحرب، قالي أنا رجعت وقلت لنفسي أكيد الرب والمسيح مش هيكونوا راضين عن حد زيي وبمنظري، وقعد يدور حتى لاقي الكويكرزم ولقي فيه راحته النفسية وآمن بالدين دا، كلمته شوية عن الإسلام ومناطق التشابه بين الإسلام ودينه في المناحي الروحية والسلام والخير، وقالي نفسي أعرف أكتر عن الإسلام، قلتله دقيقة واحدة، طلعت جريت على أوضتي وجبتله كتاب
A brief illustrated guide to understanding Islam
قبل ما نسافر كانوا بعتولنا إيميل نبعتلهم 3 صور، صورة لينا، صورة لحد على قيد الحياة وألهمنا كتير في حياتنا، وصورة لحد نفسنا نلهمه، وحان وقت استخدام الصور التلاتة، في أول ورشة عمل للتعريف بأنفسنا، كل واحد بياخد فرخ ورق كبير وبياخد الصور اللي هما طبعوهم ويكتب عن نفسه وعن إزاي الشخص الملهم كان مصدر إلهام ليه، وليه عاوز يلهم الشخص التاني.
أنا بعت صورة لنفسي، وصورة للدكتور يوسف القرضاوي، وصورة لأختي الأصغر حبيبة، وبعد ما خلصنا ورسمنا وكتبتنا عنوانين رئيسية في البوستر دا، كان تكملة النشاط إن كل اتنين يشتغلوا مع بعض ويبقوا شركا، في 20 دقيقة، كل واحد يسأل التاني عن نفسه أسئلة تعرفه شخصيته وهو مين، ويعمل بوستر عن شريكه، شريكتي كانت زينب من لبنان، وزينب شيعية، بتدرس طب، كل واحد فينا سأل التاني ورجعنا عملنا كل واحد بوستر عن التاني.
وبكدا تبقى طريقة التعريف بأنفسنا كالآتي، كل شريكين بيطلعوا، وكل واحد يعرف نفسه وبعدين يعرف زميله والعكس، التاني يعرف نفسه تاني بنفسه ويعرف زميله، فكل واحد يتم تعريفه مرتين، مرة بنفسه ومرة حد تاني يعرفه، وبدون تكرار معلومات وبإضافة حاجات جديدة، ناس كتير طلعت، وأنا كان فيه في دماغي فكرة ظريفة كنا جربناها في ورشات إدارة الحوار في أمديسيت، طلعت وقولتلهم أنا مش هعرف زينب، لأ، أنا هنتحل شخصيتها وأتكلم باسمها كأني أنا زينب، وكانت حاجة ظريفة ولطيفة خاصة وأنا باتكلم كأني بنت وباقول نفس الكلام اللي زينب قالتهولي عن نفسها زي: وأطبخ ليه أنا؟ أنا طالبة في طب ومش فاضية للحاجات دي. مع الأخذ في الحسبان إن كل الكلام العربي اللي باكتبه دا كان بيتقال بالإنجليزي. بعد ما خلصت تعريف زينب، زينب عملت نفس البدعة بتاعتي وقامت متكلمة عني كأنها أنا، ورجعت أنا اتكلمت عن نفسي ومصدر إلهامي والشخص اللي نفسي ألهمه.
كان دايما جايكوب - متدرب ومساعد في البرنامج، وطالب في 2 كلية، بيدرس دراسات دينية، ويهودي- بيقولنا مع ناس كتير في بندل هل، دي مش أمريكا وصخب أمريكا، هنا حياة هادئة مختلفة عن ما معظم أنحاء أمريكا، وفي البداية جايبنكم هنا للمقدمات عن البرنامج والتعرف على بعض وكسر الحواجز والاسترخاء والراحة من السفر وعشان تتخطوا فروق التوقيت وجسمكم يتعود على الوقت.
كان عندنا الليلة دي فاضية، وكلنا فاضين نعمل اللي إحنا عاوزينه، اقترحت الدكتورة ريسيل إنها هتعمل في المكتبة جلسة نقاشية نسمع فيها فيديو واحد بيتكلم عن الدين وأن مفيش تعريف لكلمة دين وإن أي ناس عندهم أي حاجة بيسموها دين ومن هذا المنطلق بيدعم الإلحاد ويشيد به، ودي كانت جلسة حوارية اختيارية يعني محدش مجبر يحضرها، رحنا حضرنا واتناقشنا بعد ما سمعنا الفيديو، كلام عام في الإلحاد وحججه وشبهاته، وردود عامة من المسلمين والمسيحين وكل المؤمنين بوجود إله للكون وخالق له. وفي الوقت الفاضي في المكتبة لقينا شطرنج، لعبنا أنا وشادي - مسلم سني كردي من كردستان العراق - ودي الحاجة الوحيدة تقلبنا اللي غلبت فيها شادي طول الرحلة، لأنه رياضي من الدرجة الأولى وغلبنا في كل الألعاب والرياضات اللي لعبناها.
الناس كانت بدأت تحس بالزهق بالعقدة في المكان دا والتواجد فيه ليومين بدون أي خروج، جايكوب اقترح اتنين من الدكاترة وهوا ياخدونا بعربياتهم لأقرب مول وناكل آيس كريم، واللي عاوز يشتري حاجة من صيدلية أو حاجة تانية يشتريها، وقد كان، الشباب لبسوا وركبوا معاهم العريبات وخرجوا، كنت أنا لسه صايم، ورحت المطبخ أفطر مع صالح وزينب اللي كانوا موجودين معانا خطوة بخطوة في كل النشاطات وورش العمل والمحاضرات، محمود كمان كان معانا، وجايكوب قالنا هيوصل بعض من الطلاب عقبال ما إحنا نفطر ونجهز ويرجع ياخدنا.
كنت لسه تعبان شوية بس يعتبر أفضل بكتير من أول يومين، وفي فترة نقاهة وخروج من الحالة المرضية، لبست حاجة بكم وخرجت مقلق آكل آيس كريم وأنا تعبان، بدأنا نتعرف أكتر على الناس وناخد وندي معاهم في الكلام، والصبح كان فيه ناس موصلتش من أول يوم وصلوا من تركيا والعراق.
تاني يوم كان عندنا محاضرة تقديمية عن تعددية الأديان واللي هندرسه في جامعة تيمبل ألقتها د.باربرا، ود.جولي، وبعد كدا محاضرة تعريفية بنظام تحركات البرنامج والإمدادات اللوجيستيه والفلوس والأكل في المدينة الجامعية، والاعتماد على النفس إلى حد كبير فيه، وإزاي مفترض مننا نعيش مع بعض في تعاون ووئام، ومواعيد الرجوع للمدينة الجامعية لما نروح الجامعة، والمحظورات والممنوعات زي المخدرات وغيرها، والحاجات اللي تؤدي للطرد من البرنامج زي التحرش، وايه الإجراءات ونتواصل مع مين لو حد فينا تعرض لحاجة أو عاوز يشتكي من حد. وكمان كل حد من البرنامج عرفوا بنفسهم تعريف تفصيلي أخد حوالي ساعتين.
بعد الغدا، رحنا ورشة عمل فنية في الورشة الفنية في البيت التاني، كل واحد كان بيعمل لنفسه حاجة زي كراسها ويلونها ويصممها بنفسه وكان معانا دكتورة في الفنون بترشدنا إزاي نعمل الكراسة ونخيطها ونزينها وكل الناس طلعت إبداعتها، بعد الورشة الفنية دي كنسنا ونضفنا ورانا.
كان كل يوم الصبح الساعة 8، اللي حابب يحضر شعيرة لقاء الكويكر ممكن يروح البيت الرئيسي والأوضة العامة، ويقعد معاهم النص ساعة الصمت، اللي لما حد بيحس بإلهام من الإله يكون يتكلم أو ممكن يغني أو حتى يرقص في بعض الحالات، وكجزء من برنامجنا أصلا بزيارة وحضور شعائر الديانات، قعدنا مش كمتعبدين ولا مقمين لشعيرتهم ولكن كمراقبين ومتعلمين. في يوم جان بيير قرر يغني أغنية دينية من المسيحية باللغة التركية في وسط اللقاء واحتفوا بيه جدًا.
اليوم دا كان آخر يوم في بندل هل، وجهزنا شنطنا ولميتنا حاجتنا، واستعدينا للذهاب لمدينة فلادلفيا، في قلب المدينة، لنعيش أجواب صخب أمريكا وننزل شوارعها وتبدأ المغامرات في المدينة. جاء باص الجامعة لينقلنا جميعًا، ونحن جاهزون، جمعونا جميعًا في البيت الرئيسي "البارن" وغنوا لنا أغنية وداع، وبعض الناس بدأت تبتسم فتضحك فتقهقه، كان منهم الزميل جاد، جاد عرفت بعد كدا إنه أول يوم خاف ليتعدي من العطس الرهيب بتاعي، فطلب إنه يتنقل أوضة تاني، وبكدا هو أخد أوضة لوحده وأنا أوضه لوحدي، ولما كلمته واعتذرتله إني اضطريته ينقل، قالي دا أحسن ليا وليك، ليا عشان متعديش وليك عشان تستريح في أوضة لوحدك، وكانت حاجة في قمة الأدب والذوق منه.
وتحركنا في رحلتنا إلى فيلي!
والفيديوهات اللي متواجدة جوا الحلقة كلها هنا.
إلى اللقاء في الحلقة القادمة.
أخدونا من مطار فلادلفيا لمنتجع يعتبر للاسترخاء والتأمل اسمه "بندل هل"، حي في ضواحي فلادلفيا مش في قلب المدينة وبعيد عن
العمار، مكان كله خضره وهدوء وبعيد عن الزحمة والدوشة وحتى بعيد نسبيًا عن أقرب خدمات، وفيه اكتفاء ذاتي لحد كبير لأن معظم الأكل والشرب بيجوا بكميات كبيرة على المطبخ اللي كل النزلاء والسكان بيتجمعوا وبياكلوا فيه.
المكان مش بس منتجع كدا للاسترخاء والتأمل بيستقبل أي حد عاوز ينزل فيه ويقيم فترة أجازة، بيستقبل كمان كتاب عاوزين مكان هادئ يكتبوا، وإحنا هناك قابلنا ناس رايحين يكتبوا تجاربهم الروحانية، وبيستقبل طلبة زيينا، المكان أصلًا قائم عليه وينظمه ويملكه مجتمع من ، الناس يدينون بدين الكويكرزم، وهما يطلق عليهم كويكرز. وبيسموا نفسهم الأصدقاء، أو مجتمع الأصدقاء.
لو حابين تعرفوا أكثر عنهم دوسوا على الاسم فوق، لكن باختصار الكويكرز انفصلت عن الكنيسة الإنجليزية، أسسها واحد اسمه جورج فوكس، ودينهم ليس له عقيدة وأركان عقيدة تقدر تركز عليها، المبادئ الخمس الأساسية في الديانة هي: الضمير أو كما ممكن نطلق عليها العدالة الشخصية، والمساواة، والبساطة، والمجتمعية، والسلام.
المثير للاهتمام إن ويليام بن وهو مؤسس ولاية بنسلفينا واسم الولاية مشتق من اسمه كان كويكر، وإنهم متميزين جدًا في مجال العلوم وفي معدلات الذكاء ومدارسهم تعد من أفضل مدارس أمريكا على الإطلاق، وأي حد يقدر يدخلها، ودا لأنهم عندهم روحانيات عالية وبيركزوا على العلوم الإنسانية، ويبعدون كل البعد عن كل ما له علاقة بالحروب، فلا يشتركون ولا يدفعون ضرائب للجيوش، يؤمنون بالسلام الكامل على الأرض، ويعاملون كل شخص على أنه جزء من الإله، يمكن نشبه دا في الإسلام بأن الله نفخ في الإنسان من روحه.
مؤسسو الكويكرز هما اللي تلقوا الإلهام وكتبوا كتب الكويكرز، هم لا يؤمنوا إنها وحي، وبيقولوا إنهم بيحترموا ويقدروا كل الأنبياء، ويؤمنون أن عيسى ليس ابن الله، والكويكرز عموما هادئين وطيبين ومسالمين جدًا، عندهم تعاليم تبدوا غريبة، كعدم إزالة شعر الجسم، والموضوع قد يكون مقبول للرجال، لكن ممكن تشوف ست منهم بشعر في وجهها مثلًا.
واحنا في الطريق من المطار، كل الناس بدأوا يتكلموا ويتعرفوا مع بعض، إلا أنا ريحت لأني كنت فاصل شحن والجيوب الأنفية مع الصيام عملوا معايا السليمة، وصلنا والأتوبيس وقف قدام البيت الرئيسي في حي بندل هل، ولما وصلنا بصيت على الخضرة والمغرب كان قرب وحسيت إني باشوف حاجات بنور حوالين عنيا زي النجوم، قلت لنفسي بس أنا كدا وصلت لمرحلة الهلاوس، وبقيت أشوف حاجات غريبة من كتر التعب، لما نزلنا أخدت بالي إن دي اللي بيسموها الحشرة المضيئة المشهورة في أفلام الكارتون. شكلها جميل جدًا بتنور وهيا بتتحرك لمدة ثانية تقريبا وتحس إن فيه نور دهبي بينور ويطفي وسط الخضرة بعشرات منهم. فيديو ليهم.
دخلنا البيت الرئيسي ولقينا الدكاترة المنظمين واللي ماسكين البرنامج ومعظم الأساتذة موجودين، دا موقع المنحة، ودول كل المشرفين والدكاترة والأساتذة والمتدربين، كان في انتظارنا د.ريبكا من مدراء البرنامج ودكتورة في الجامعة وهيا من الكويكرز، د.باربرا وهي مديرة للبرنامج ويهودية، د. رسيل وهي دكتورة في الجامعة والمسؤولة عن حقوق الإنسان والحقوق المدنية، د.جولي وهيا دكتورة كبيرة ومن أهم مديري البرنامج ومسيحية وأطيب شخصية ممكن تقابلها على وجه الأرض.
نزلنا شنطنا ودخلنا البيت الرئيسي، رحبوا بينا وقالولنا ايه هنتوزع عشان نسكن هنا، فقسمونا مجموعتين كل مجموعة في بيت، وكل اتنين مع بعض في أوضة، وسألوا إذا كان حد صايم وكنت أنا، قالولي أفطر وكان فيه شوية خضار وفاكهة ومكسرات ومشروبات موجودة كسرت صيامي عليهم، وقالولنا نظام الأكل ومواعيده المطبخ الكبير، وهو في البيت اللي أنا هسكن فيه، وقالولي أخد مفتاحي وأطلع الحاجة وأنزل المطبخ وهلاقي أكل كتير في التلاجة.
طلعت شنطي، ونزلت المطبخ، حاجة ضخمة وفخمة، وأوضة الأكل كبيرة لأنهم كلهم بيتجمعوا فيها، وأول ما دخلت المطبخ لقيت واحدة في أواخر العشريناينات ومحجبة، ألقيت السلام وردت عليا، فتحت التلاجة وبدأت أخرج حاجات أكلها، حاجات كلها خضروات وفواكه، أكل الكويكرز كله عموما أورجانيك وطبيعي وصحي جدًا، شوية وراجل تاني جه، زوج الشابة المسلمة، اسمها زينب واسمه صالح، صالح تركي، وزينب أصلها تركي واتولدت وعاشت في ألمانيا، وهما الاتنين عايشين في واشنطن، عزموني أقعد معاهم على الأكل وكانوا طابخين شوية أكل، عزموا عليا وأنا كلت معاهم. قعدنا نحكي شوية وذكرت لزينب إني عشت في ألمانيا وأنا صغير مع أسرتي لأني والدي كان بيحضر الدكتوراة هناك، سألتني فين؟ قولت أنا بصراحة مش فاكر الولاية وفاكر اسم المدينة وهي مش مشهورة، قول بس، قولتلها مدينة ماينز، اتصدمت وقالتلي أنا عشت طفولتي في ماينز! فعلا الدنيا صغيرة!
كل دا على الدوام وأنا باعطس عطس رهيب، قالولي المطبخ فيه مشروبات سخنة وقهوة والميا السخنة في الجهاز جاهزة دايمًا، أخدت حاجة سخنة وطلعت على أوضتي أنام أو بمعنى أصح أموت وأفصل من الحياة شوية لأني وصلت لقمة التعب والإنهاك، اتفقت مع صالح وزينب إننا نصحى نتسحر سوا ومحمد كان جه قعد معانا وقالي تعالى صحيني في بيتنا.
طلعت الأوضة، وزميلي في الأوضة جاد من لبنان، لقيته مطلع مصحف عرفت إنه مسلم، بس الفضول خلاني اسأله، جاد مش قصدي أي حاجة بالسؤال بس حابب أعرف هل أنت سني؟ قالي نعم، اتعرفت عليه شوية، وأنا قاعد أعطس بفظاعة، دخلت على الانترنت من اللاب والموبايل وبعت شوية رسايل وكتبت على الفيس عشان أطمن الأسرة والأصدقاء.
ظبطت المنبه على السحور، نمت زي السمكة اللي اصطادوها وسابوها ترقد في سلام، صحيت السحور على المنبه ومش قادر من التعب، لكن تحاملت على نفسي وقمت، جاد مش على سريره ومش في الأوضة، يمكن يكون مع حد من أصحابه أو زمايله اللبنانين، رحت البيت التاني وأنا لابس حاجات كتير وأتقل حاجة عندي ولافف الشال على رقبتي، صحيت محمد ورجعنا المطبخ في بيتي، لقيت صالح وزينب عملوا بيض وحمص وشوية أكل، وإحنا سحبنا زبادي وشوية خضار وفاكهة من التلاجة وقعدنا ناكل معاهم.
اتضح بعد كدا إن صالح وزينب الدكاترة المسلمين اللي معانا في البرنامج، يدرسوا الإسلام وبياخدوا بالهم من الطلبة المسلمين خصوصا في الصيام والأكل الحلال وخلافه، صلاح وزينب دكاترة جامعة ومتخصصين في الإسلام والدراسات الإسلامية، وبجانب إنهم بيدرسوا في جامعات في واشنطن، فهما عايشين في المدينة الجامعية لجامعة جورج تاون، دي جامعة كاثولكية بتدرس أديان وعلوم دينية وغيرها، بس الجامعة بيجيها طلبة من كل الأعراق والأديان، فالجامعة بتخلي زوجين كاثوليك ومسلمين ويهود وأحيانا أديان تانية يعيشوا في المدينة الجامعية علشان ياخدوا بالهم من الطلاب والطلاب يلجأوا ليهم في الأمور الدينية ويسألوهم وياخدوا رأيهم ويستشيروهم ويطلبوا منهم النصح! صباح الفل!
خلصنا سحور واتفقنا نتسحر ونفطر كل ومع بعض ودا استمر لآخر رمضان، وغالبًا مش هنكرر الكلام عنه إلا في مناسبات معينة، صليت الفجر، ونمت عشان أصحي الصبح لأن جدول البرنامج يبدأ الصبح، صباح باكر، صحينا الصبح ومعظم الطلبة مش صايمين وراحوا فطروا في المطبخ، أنا نزلت علطول على أول معاد وكان مكان المقابلة في المطبخ.
ترحيبات للبرنامج، وشرحولنا إننا هنملأ استبيان فيه أسئلة اختيارية كتير يبان من خلالها مقدار تسامحنا من ناحية ومعرفتنا بتاريخ التسامح الديني والتعايش في أمريكي، قعدنا نحل وأخدنا وقتنا واللي منعرفهوش منحلوش، وقالولنا إن الاستبيان دا مش مقصود بيه أي حاجة، إحنا بس بنقيس مستوانا أول البرنامج وهناخد نفس الاستبيان في آخره عشان نلاحظ التطور، بعد الاستبيان وزعوا علينا ورق وأظرف، كل واحد يكتب توقعاته والحاجات اللي نفسه يتعلمها ويعرفها من البرنامج دا ويحطه في الظرف ويسلمه. وبعد كدا كان عندنا وقت راحة.
في أوقات الفراغ والراحة في بيندل هل كنا بنلعب طيارة أو بنلعب بنج بونج في البيت الرئيسي، وكنا بنتمشي في الغابات اللي حوالينا ونتفرج على الخضرة والأشجار العملاقة، وأحيانا كنا بنتوه في النص. كنا بنتكلم مع الجيران ونتعرف عليهم، وكل سكان المنطقة ناس ودودين جدًا. طول ما كنت تعبان هتلاقوني متلفح ولابس تقيل وبكم، وبعد تالت يوم بدأت أرجع ألبس نص كم وأخفف الهدوم لما حالتي اتحسنت.
وقت المحاضرة التانية جت، اتحركنا على غرفة لقاءات الكويكرز في البيت الرئيسي "البارن"، وجت لينا مديرة مجلس إدارة حي بندل هل ورحبت بينا وأدتنا محاضرة تعريفية عن الكويكر، الست في قمة الهدوء ومبتسمة دايما وتشع عطف وترحيب لينا جميعًا، ولأني قدمت للكويكر باختصار في البداية فلا داعي لتكرار ما قالته، خلصت المحاضرة وبدأنا نسألها، فمن طريقة كلامها أنا حسيت إن الكويكر دا أسلوب حياتي مجتمعي أكتر منه ديانة، فسألتها هل أنتوا ديانة ديانة يعني ولا معتبرين نفسكم نشاط اجتماعي، قالتلي لأ إحنا دين ومستقلين بذاتنا ومؤمنين بمعتقداتنا اللي هيا المبادئ الخمسة.
اتحركنا للمطعم عشان الغدا، أنا ومحمود ومحمد مكاناش بناكل لأننا صايمين، لكن كنا بنروح المطعم نتكلم مع الناس ونتعرف على ناس من الكويكر وناس من النزلاء، أنا ومحمد اتعرفنا على رجالة كبار كتير واتناقشنا معاهم في مواضيع مختلفة، ودايما طول رحلتلي كنت باسرد الأحداث في مصر من وجهة نظري وعن الثورة والانقلاب وعن كفاحنا خاصة كطلبة ضد الانقلاب.
راجل كبير من الكويكر، شكله بسيط جدًا، قعد يحكيلي حكايته من الأديان، كان مسيحي كاثوليكي، وراح حرب من حروب أمريكا وبعد اللي شافه وعمله في الحرب، قالي أنا رجعت وقلت لنفسي أكيد الرب والمسيح مش هيكونوا راضين عن حد زيي وبمنظري، وقعد يدور حتى لاقي الكويكرزم ولقي فيه راحته النفسية وآمن بالدين دا، كلمته شوية عن الإسلام ومناطق التشابه بين الإسلام ودينه في المناحي الروحية والسلام والخير، وقالي نفسي أعرف أكتر عن الإسلام، قلتله دقيقة واحدة، طلعت جريت على أوضتي وجبتله كتاب
A brief illustrated guide to understanding Islam
أخده مني وهو مبسوط جدًا، ووعدني إنه يقرأه ويرجعه، اعتذرت منه إني مش هاقدر أديلهوله خالص لأني محتاجه، فهو يخلصه ويرجعهولي في أي وقت لما يخلصه. بالمناسبة هو اللي على اليمين في الصورة. وفي وسط الغدا وقفت الدكتورة ريبكا وقالت فيه مفاجأة لحد من الدكاترة، بنت الدكتورة جولي جايبة تورتة وعملوا احتفال مفاجئ بيوم ميلادها، وغنولها أغنية كدا للكويكر في أعياد الميلاد. وأحنا العرب برده قولنا نعمل وصلة، وغنينا أغنية الميلاد، والمصريين غنوا يلا حالا بالا بالا حيوا أبوا الفصاد! وكدا كدا محدش فاهم حاجة فزيطنا براحتنا.
قبل ما نسافر كانوا بعتولنا إيميل نبعتلهم 3 صور، صورة لينا، صورة لحد على قيد الحياة وألهمنا كتير في حياتنا، وصورة لحد نفسنا نلهمه، وحان وقت استخدام الصور التلاتة، في أول ورشة عمل للتعريف بأنفسنا، كل واحد بياخد فرخ ورق كبير وبياخد الصور اللي هما طبعوهم ويكتب عن نفسه وعن إزاي الشخص الملهم كان مصدر إلهام ليه، وليه عاوز يلهم الشخص التاني.
أنا بعت صورة لنفسي، وصورة للدكتور يوسف القرضاوي، وصورة لأختي الأصغر حبيبة، وبعد ما خلصنا ورسمنا وكتبتنا عنوانين رئيسية في البوستر دا، كان تكملة النشاط إن كل اتنين يشتغلوا مع بعض ويبقوا شركا، في 20 دقيقة، كل واحد يسأل التاني عن نفسه أسئلة تعرفه شخصيته وهو مين، ويعمل بوستر عن شريكه، شريكتي كانت زينب من لبنان، وزينب شيعية، بتدرس طب، كل واحد فينا سأل التاني ورجعنا عملنا كل واحد بوستر عن التاني.
وبكدا تبقى طريقة التعريف بأنفسنا كالآتي، كل شريكين بيطلعوا، وكل واحد يعرف نفسه وبعدين يعرف زميله والعكس، التاني يعرف نفسه تاني بنفسه ويعرف زميله، فكل واحد يتم تعريفه مرتين، مرة بنفسه ومرة حد تاني يعرفه، وبدون تكرار معلومات وبإضافة حاجات جديدة، ناس كتير طلعت، وأنا كان فيه في دماغي فكرة ظريفة كنا جربناها في ورشات إدارة الحوار في أمديسيت، طلعت وقولتلهم أنا مش هعرف زينب، لأ، أنا هنتحل شخصيتها وأتكلم باسمها كأني أنا زينب، وكانت حاجة ظريفة ولطيفة خاصة وأنا باتكلم كأني بنت وباقول نفس الكلام اللي زينب قالتهولي عن نفسها زي: وأطبخ ليه أنا؟ أنا طالبة في طب ومش فاضية للحاجات دي. مع الأخذ في الحسبان إن كل الكلام العربي اللي باكتبه دا كان بيتقال بالإنجليزي. بعد ما خلصت تعريف زينب، زينب عملت نفس البدعة بتاعتي وقامت متكلمة عني كأنها أنا، ورجعت أنا اتكلمت عن نفسي ومصدر إلهامي والشخص اللي نفسي ألهمه.
قبل ما نعمل كل دا كان فيه محاضرة قصيرة ألقتها الدكتور ريسيل عن كيفية التقديم، وإزاي كل واحد فينا جاي من بلده معاه حاجاته في شنطته ومعاه هويته شايلها معاه، والهوية بكل ما تحويه من جنسية ودين وعرق وانتماءات، والمحاضرة تحتوي على التعرف وتقبل الآخر والتعايش معه وأفكار من هذا القبيل.
كان دايما جايكوب - متدرب ومساعد في البرنامج، وطالب في 2 كلية، بيدرس دراسات دينية، ويهودي- بيقولنا مع ناس كتير في بندل هل، دي مش أمريكا وصخب أمريكا، هنا حياة هادئة مختلفة عن ما معظم أنحاء أمريكا، وفي البداية جايبنكم هنا للمقدمات عن البرنامج والتعرف على بعض وكسر الحواجز والاسترخاء والراحة من السفر وعشان تتخطوا فروق التوقيت وجسمكم يتعود على الوقت.
كان عندنا الليلة دي فاضية، وكلنا فاضين نعمل اللي إحنا عاوزينه، اقترحت الدكتورة ريسيل إنها هتعمل في المكتبة جلسة نقاشية نسمع فيها فيديو واحد بيتكلم عن الدين وأن مفيش تعريف لكلمة دين وإن أي ناس عندهم أي حاجة بيسموها دين ومن هذا المنطلق بيدعم الإلحاد ويشيد به، ودي كانت جلسة حوارية اختيارية يعني محدش مجبر يحضرها، رحنا حضرنا واتناقشنا بعد ما سمعنا الفيديو، كلام عام في الإلحاد وحججه وشبهاته، وردود عامة من المسلمين والمسيحين وكل المؤمنين بوجود إله للكون وخالق له. وفي الوقت الفاضي في المكتبة لقينا شطرنج، لعبنا أنا وشادي - مسلم سني كردي من كردستان العراق - ودي الحاجة الوحيدة تقلبنا اللي غلبت فيها شادي طول الرحلة، لأنه رياضي من الدرجة الأولى وغلبنا في كل الألعاب والرياضات اللي لعبناها.
الناس كانت بدأت تحس بالزهق بالعقدة في المكان دا والتواجد فيه ليومين بدون أي خروج، جايكوب اقترح اتنين من الدكاترة وهوا ياخدونا بعربياتهم لأقرب مول وناكل آيس كريم، واللي عاوز يشتري حاجة من صيدلية أو حاجة تانية يشتريها، وقد كان، الشباب لبسوا وركبوا معاهم العريبات وخرجوا، كنت أنا لسه صايم، ورحت المطبخ أفطر مع صالح وزينب اللي كانوا موجودين معانا خطوة بخطوة في كل النشاطات وورش العمل والمحاضرات، محمود كمان كان معانا، وجايكوب قالنا هيوصل بعض من الطلاب عقبال ما إحنا نفطر ونجهز ويرجع ياخدنا.
كنت لسه تعبان شوية بس يعتبر أفضل بكتير من أول يومين، وفي فترة نقاهة وخروج من الحالة المرضية، لبست حاجة بكم وخرجت مقلق آكل آيس كريم وأنا تعبان، بدأنا نتعرف أكتر على الناس وناخد وندي معاهم في الكلام، والصبح كان فيه ناس موصلتش من أول يوم وصلوا من تركيا والعراق.
تاني يوم كان عندنا محاضرة تقديمية عن تعددية الأديان واللي هندرسه في جامعة تيمبل ألقتها د.باربرا، ود.جولي، وبعد كدا محاضرة تعريفية بنظام تحركات البرنامج والإمدادات اللوجيستيه والفلوس والأكل في المدينة الجامعية، والاعتماد على النفس إلى حد كبير فيه، وإزاي مفترض مننا نعيش مع بعض في تعاون ووئام، ومواعيد الرجوع للمدينة الجامعية لما نروح الجامعة، والمحظورات والممنوعات زي المخدرات وغيرها، والحاجات اللي تؤدي للطرد من البرنامج زي التحرش، وايه الإجراءات ونتواصل مع مين لو حد فينا تعرض لحاجة أو عاوز يشتكي من حد. وكمان كل حد من البرنامج عرفوا بنفسهم تعريف تفصيلي أخد حوالي ساعتين.
بعد الغدا، رحنا ورشة عمل فنية في الورشة الفنية في البيت التاني، كل واحد كان بيعمل لنفسه حاجة زي كراسها ويلونها ويصممها بنفسه وكان معانا دكتورة في الفنون بترشدنا إزاي نعمل الكراسة ونخيطها ونزينها وكل الناس طلعت إبداعتها، بعد الورشة الفنية دي كنسنا ونضفنا ورانا.
اليوم اللي بعديه كانت ورشة عمل مميزة جدًا، لمدرسة سمراء بتدرب المدرسين نفسهم، وكانت ورشة العمل عن الهوية، وإن كل واحد فينا ليه هوية واحدة معينة يرفعها فوق كل الهويات، كل واحد عمل لوحة لأهم هوية عنده، وإيه أهم 3 حاجات فخور بيها في الهوية دي، وإيه القولبات الخاطئة اللي الناس بتضعها عن الهوية دي، أنا وكثير من المسلمين كبتنا الإسلام كالهوية الأساسية لينا وكتبنا تحتيها ما نعتقده. كانت ورشة العمل تشمل عرض وشرح عن القولبة وعدم تقبل وجهات النظر المختلفة وازاي نتقبل النظر للأشياء من منظور مختلف.
كان كل يوم الصبح الساعة 8، اللي حابب يحضر شعيرة لقاء الكويكر ممكن يروح البيت الرئيسي والأوضة العامة، ويقعد معاهم النص ساعة الصمت، اللي لما حد بيحس بإلهام من الإله يكون يتكلم أو ممكن يغني أو حتى يرقص في بعض الحالات، وكجزء من برنامجنا أصلا بزيارة وحضور شعائر الديانات، قعدنا مش كمتعبدين ولا مقمين لشعيرتهم ولكن كمراقبين ومتعلمين. في يوم جان بيير قرر يغني أغنية دينية من المسيحية باللغة التركية في وسط اللقاء واحتفوا بيه جدًا.
اليوم دا كان آخر يوم في بندل هل، وجهزنا شنطنا ولميتنا حاجتنا، واستعدينا للذهاب لمدينة فلادلفيا، في قلب المدينة، لنعيش أجواب صخب أمريكا وننزل شوارعها وتبدأ المغامرات في المدينة. جاء باص الجامعة لينقلنا جميعًا، ونحن جاهزون، جمعونا جميعًا في البيت الرئيسي "البارن" وغنوا لنا أغنية وداع، وبعض الناس بدأت تبتسم فتضحك فتقهقه، كان منهم الزميل جاد، جاد عرفت بعد كدا إنه أول يوم خاف ليتعدي من العطس الرهيب بتاعي، فطلب إنه يتنقل أوضة تاني، وبكدا هو أخد أوضة لوحده وأنا أوضه لوحدي، ولما كلمته واعتذرتله إني اضطريته ينقل، قالي دا أحسن ليا وليك، ليا عشان متعديش وليك عشان تستريح في أوضة لوحدك، وكانت حاجة في قمة الأدب والذوق منه.
وتحركنا في رحلتنا إلى فيلي!
______________________________________
موقع بندل هل.والفيديوهات اللي متواجدة جوا الحلقة كلها هنا.
إلى اللقاء في الحلقة القادمة.