أنا أعرف أغنية شمس الحرية، والأغنية واسمها رائعين كأن الحرية شمس تشرق فترسل أشعة الحرية على الأرض، وأعرف برده جرس الفسحة ضرب ضرب! إنما جرس الحرية؟
امبارح لما مشينا من المركز القومي للدستور لبيت الاستقلال شوفت المكان اللي عليه زحمة رهيبة، وعرفت فيما بعد إن السياح اللي بيجوا فلادلفيا كل سنة وكلهم بلا استثناء بيجوا المكان دا، ما يقرب من 10 مليون سائح!
اللي منزلنا من المدينة الجامعية على ملى وشنا الساعة 8 الصبح عشان نروح بدري، رحنا وقفنا في طابور صغير، كنا أول الداخلين للمكان بعد ما وصلنا لأنه بيفتح على حوالي 9، ممر فيه صور لبعض الناس اللي ساهموا وحاربوا لحرية الأوطان والشعوب، ماشي! وبعدين ايه المَعْلَم المهم اللي هنشوفه، جرس الحرية!
ايه دا؟ يعني كل الفيلم الهندي دا عشان حتة جرس؟ ماله بقى الجرس دا إن شاء الله، أصل أنت مش فاهم، الجرس دا لم يدق غير مرتين طول التاريخ الأمريكي، المرة الأولى لإعلان الاستقلال، والمرة التانية إعلان التحرر من العبودية، ويقول لك الأمريكان بكل فخر، إن هذه الأمة لتحرر لم تأخذ سوى دقتين من جرس! ولأ كمان الجرس مشروخ وحالته حالة!
قوم أنا بقى قايلهم، يا جماعة بصراحة ومع احترامي للجرس الجميل، وبيت الاستقلال الجميل اللي كنا فيه امبارح، دا كدا أقدم وأجمد حاجات تاريخية عندكم في أمريكا، أنا أوضتي في مصر أقدم من الكلام دا! وإن كان فيه بعض المبالغة، لكن الحقيقة عمر أمريكا كلها، وعمر المبنى والجرس دول حوالي 200 سنة، يعني دول عندنا بيحصل فيهم شوية ثورات وانقلابات عادي!
اللي اتعلمته بجد في اليومين دول، وتأكد ليا بعد كل يوم قضيته في أمريكا وكل يوم كنا بنروح فيه زيارات تعليمية أو تاريخية، إن الناس دي على ندرة وقصر تاريخها، إلا إنهم مفتخرين بيه جدا، وبالإضافة إلى كدا بيعرفوا يقدموه بأحسن الصور والطرق، مش مهم بس تكون عندك بضاعة كويسة، المهم كمان إزاي تسوقها!
يعني إحنا بضاعتنا في التاريخ والحضارة سواءًا الإسلامية أو المصرية لا تقارن بعظمتها معاهم، ولا نحسن تسويقها ولا عرضها ولا تعريفها للعالم! وهما بحبة تاريخ بربع، بيبهروا العالم كله! طيب إحنا لو بس عرضنا تاريخنا عرض يعني مقبول، هنبهرهم ونبهر العالم ونبهر التاريخ نفسه!
على قد ما كنت مش مستسيغ إنهم يعملوا من الحبة أوبة ويفتخروا بتاريخ أحيانا هو "فارغ من محتواه"، إلا إني أرفع القبعة لاحتفاءهم وتقديرهم وحسن عرضهم لتاريخهم وتمنيت لو حدث ذلك في بلاد الإسلام والعروبة.
انتهينا من جرس الحرية الفحيت، ثم انطلقنا في جولات أخرى، أول محطة وقفنا عندها كانت كنيسة من كنايس الكويكرز بيسموها "بيت اجتماع الكويكرز"، تصميمه مختلف عن الكنايس، ليس فيه صلبان، واحنا اتكلمنا بما فيه الكفاية عنهم في حلقة بندل هِل "الحلقة التانية"، لفينا في المبنى وشوفنا طريقة بناءه وتصميمه، وأخدنا محاضرتين في أوضة الاجتماعات، الأولى كانت عن وليم بن ككويكر ودوره في التأصيل للحرية الدينية عندما أنشأ الولاية، وكانت برده مقدمة من د.ريبكا "كويكر"، فيها إضافات وأسئلة عن الكويكرز، من الحاجات اللي آخذها على هذه الديانة، إنها غير واقعية، فهم لا يؤمنون بالحروب أبدًا ولا بتكوين الجيوش في أي حال، طيب لو حد حب يهجم على أرضكم ويغتصبها ازاي هتدفعوا عن نفسكم؟ إزاي تقيموا السلام على الأرض بدون عدل، والعدل يحتاج إلى قوة في معظم الأحيان والقوة تحتاج لجيوش؟ ودا مبدأ بيسموه أحيانًا "الحرب العادلة"، والمبدأ القرآني "كتب عليكم القتال وهو كره لكم"، المسلمين لا يحبون الحروب، إنما إذا اضطروا لذلك فأهم "من المفترض" أسيادها، وكمان آداب وقواعد الحرب في الإسلام هي الأكثر رحمة وإنسانية "لا تقطعوا شجرًا ولا تقتلوا شيخًا .. إلى آخر الحديث"
كمان فيه مبدأ استوقفنا عنده كثيرًا، وهو مبدأ التسامح المطلق، متسامحين ومتعايشين مع كل الناس، وبيسامحوا كل الناس على أخطاءهم، أيًا كانت، سألناها طيب مفيش حدود أو عقوبات تكفيرية، لأ، طيب قصاص عشان أنفس البشر مجبولة على القصاص وإنه عدل وإنه بيمنع الأحقاد والغل، لأ، طيب ولا هتلر اللي قتل وحرق الملايين، قعدت تلف وتدور في موضوع هتلر، لغاية ما أخلصت في النهاية إن الكويكرز طبقًا لاعتقادهم لازم يسامحوا هتلر! لا كدا بقى بصراحة هرتلة في وجهة نظري! يعني أي واحد يعمل اللي هوا عاوزه وبعدين يفلت بكل الجرائم اللي عملها وكمان يسامحوه! وهنا زينب أبلة كان ليها بعض التعليقات والأسئلة الرائعة مما ذكرته بالفعل.
خلصت المحاضرة وكان فيه غدا، وزعوا على الصائمين وجباتهم عشان ناكلها في الفطار، وخرجنا مشيًا متجهين إلى واحدة من أعرق كنائس أمريكا وفلادلفيا، "كنيسة المسيح" وهي كنيسة إنجليزية، من بقايا الاستعمار، وتعد تحفة فنية معمارية، ودفن فيها العديد من الأشخاص المهمين، قعدنا في الكنيسة سمعنا ملخص بسيط عن تاريخ الكنيسة وأهميتها في التاريخ الأمريكي المعاصر وإن ليها أهمية دينية وسياسية.
قبل ما ندخل الكنيسة، صالح آبي وزينب أبلة قالولنا "الطلاب المسلمين"، مين هيصلي معانا الضهر، معظمنا ايوا عايزين نصلي بس فين، راحوا لحد في الكنيسة وطلبوا منه مكان نصلي فيه، وأصبح هذا ديدننا في أي مكان نروحه، صلينا في كل أنواع المعابد والكنايس، لو حضر وقت الصلاة ونحن هناك، نروح معهما وهما يقولوا للمسؤولين عن المكان، وهما يوفروا لينا مكان نصلي فيه وأحيانا يستأذنوا يشوفونا واحنا بنصلي، ودايما نخلص صلاة وصالح آبي وزينب أبلة يقولولهم "نشكركم على حسن ضيافتكم لنا"
توجهنا بعد كدا لمعبد يهودي في زيارة خاطفة جدًا، مكانش فيه تقديم ولا محاضرات، وكنت عامل حسابي وعارف إن دخول المعابد اليهودية الرجال لازم يحطوا حاجة على راسهم والستات المتزوجات، ولأني مستحيل طبعًا ألبس الطاقية اليهودية الصغيرة دي على دماغي كنت عامل حسابي بنصيحة صديقي يحيى أحمد، وكنت رايح بقبعة الكاوبوي، فيه ناس لبستها طاقية اليهود عادي، وفيه ناس رفضت تدخل ساحة العبادة عشان متلبسهاش، وصالح آبي لبس طاقية الصلاة بتاعته، وأخدنا شوية صور، واتحركنا بما إن كان عندنا وقت فاضي قبل المحاضرة اللي بعدها، الدكتورة ريسيل قالت هاوريكم مكانين في السريع عشان لو حبيتوا ترجعولهم بعدين لوحدكم، الأول المتحف الوطني للحرية، وفيه صور وحكايات لناس ساعدة في حريات البلدات وحررتها وناس طغاة وظلمة، وكانت صورة السادات ضمن الناس اللي أنشأوا سلام عالمي، والدكتورة راسيل - صهيونية متعصبة - قعدت تمدح في السادات وتقول إن الراجل دا كان بطل، شوف أنت بقى!
وودتنا متحف تاني عن اليهود وتاريخ اليهود في أمريكا، والحقيقة مكانش عندي اهتمام كبير أرجع للمتحف دا تاني، إنما المتحف الأولاني كان فيه صندوق اقتراحات في تعليق صور للطغاة، فأخدت ورقة وقلم وكتبت اسم قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي وحطيته في الصندوق.
خلصنا ورجعنا تاني لبيت لقاء الكويكرز عشان ورشة عمل للدكتورة ريسيل تحت عنوان "الالتقاء مع الآخر"، اتكلمت فيها عن سبل وأدوات التواصل مع الآخر والحوار معه وتحديد مناطق الاتفاق والتشابه، وإن الإنسانية تجمع كل البشر تحت مظلة كبيرة، وأشياء من هذا القبيل.
خلصنا خلاص، اليوم كان طويل ومجهد، رجعنا المدينة الجامعية، وكان فيه لقاء مع طلبة أمريكان اللي غالبًا حصل عندي فيه لبس بيوم فات، بس هو نفس الحوار بالظبط لا أكثر ولا أقل، كان معاد الفطار لينا بردك، فطرنا وخلصنا قعدتنا مع الشباب، وصلينا المغرب، وبعديها العشاء، واللي خرج يتسرمح أو يتمشى واللي نام وكل انفض لحال سبيله، بكرة يوم الجمعة وأول جمعة لينا في أمريكا، ويوم من أكثر الأيام إثارة وعملنا أنشطة ولفلفنا كتير، أشوفكم الصبح، تصبحوا على خير.
__________
ألبوم صور "جرس الحرية"
ألبوم صور "جرس الحرية"