Friday, September 19, 2014
12:16 PM

مبنى المحافظة | مكتبة الجامعة | لقاء الأسر المضيفة

الأزهري اللي سافر نفس المنحة السنة اللي فاتت، صاحبي ومن نفس كليتي، وكذلك السنة اللي قبليها بل واللي قبليها كمان. يعني 3 في السنين التلاتة قبلي أعرفهم كويس، وليا صديق كمان أعرفه مش أزهري سافرها يبقى أربعة. أصحابي الأزهرية اللي سافروا، كل واحد فيهم كان بيقولي على حبة نصايح وعلى شوية معلومات، علشان أكون رايح على نور، ويكون عندي خلفية عن حاجات هنعملها وعن الأشخاص اللي هاشوفهم، أنا كنت أكثرهم حظًا - في وجهة نظري - لأسباب كتير أهمها وأبسطها وجود صالح آبي وزينب أبلة لأول سنة. وإن مبنى المدينة الجامعية اللي احنا قعدنا فيه، دا لسه مبني السنة اللي فاتت، واحنا أول دفعة تنزله، هما كانوا بينزلوا في مباني مش جامدة أوي زييه. مع كل المعلومات اللي أصحابي قالوهالي والنصايح اللي أخدتها كلها بعين الاعتبار، إلا إني دايمًا باشدد إني أصنع تجربتي بنفسي ولا أصدر أحكام مسبقة، هكون حريص وواخد بالي واتأكد من كلامهم، اللي أغلبيته الكاسحة طلعت صح.

من المعلومات، إني كنت عارف مثلًا مين الدكاترة الصهاينة اللي معانا، وإن د.راسيل صهيونية متعصبة وبنتها بتخدم في سلاح الكيميا في الجيش الإسرائيلي، وإن د.باربرا تتميز بمكر وخبث بالنسبة لموضوع الصهيونية، ودكتور جوليت صهيونية بس لا تظهر تعصبها وراسية كدا، ولما عرفتنا على بنتها وصاحبها اللي لابس الطاقية اليهودية وعاش في إسرائيل واشتغل فيها، وبعد ما قولت الكلمتين عن فلسطين والأرض قدامهم، جت بعد ما خلصنا خالص هيا وصاحبها، وقال ايه بيرحبوا بيا، ومعلش فكرني باسمك: يوسف، كان الناس خرجت من الكنيسة وأنا عاوز ألحقهم، فقالتلي هما مشيوا على فكرة من شوية، قولتلها طيب متشكر، رحت سايبهم وخارج ألحق الناس، وزي ما ذكرت قبل كدا، كتير جدًا كانت د.راسيل تمدح فيا وتتودد إليا، بطريقة مريبة، كنت عارف إنها تقصد إنها تكسبني وبالذات المصريين علشان تشيل من قلوبنا العداوة تجاه الكيان الصهيوني، لأن هي دي الطريقة المثلى. أكسب حبهم وتعاطفهم، وهما يتنازلوا عن كارهيتهم وعداءهم ليك، معادلة بسيطة. د.جوليت كمان كانت دايمًا بتمدحني بعد كل عرض أو كلام أقوله، وتقولي فيما معناه، كنت جامد أوي وعجبني أسلوبك وأدائك. ود.باربرا كانت أحيانًا كتير تقولي أنا عاوزة مساعدتك مثلا تعملي حاجة، عاوزاك تتأكد إن كل الناس ملت الاستبيان، صوتك عالي وأنا عاوزاك تكون المساعد بتاعي في هذه اللحظة، علشان أحس بأهمية خاصة. الكلام دا مجرد مثال عليا، ومتأكد إنهم مارسوا طرق زي دي مع كل المسلمين والمصريين، وكل المتمسكين بالقضية الفلسطينية والعداء للكيان الصهيوني عمومًا. أنا لا أؤمن بنظرية المؤامرة، لكن بيبان في الطريقة، بيبان في النظرة والأسلوب إن ليهم دافع لمعاملتنا لدرجة تصل لحد الحنية والسهوكة والاستعطاف. كان الأمر عندي معياره حاجتين، أولها إن عمري ما هألقي لهم بمودة حقيقية امتثالًا لقول الله: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة"، وثانيه قول الرسول في حديث حسن: "إنا لنكشر في وجوه قوم وقلوبنا تبغضهم"، ونكشّر تعني "نبتسم"، إذا كانوا هم يحترفون محاولات جذبنا، فهتعامل كأني إشطة عادي معاهم واضحك في وشوشهم وابتسم، لكن لما يجي وقت الجد، ووقت لو هاتكلم فيه، هنفجر في الكلام، وأثبتلهم إننا لو عشنا وسطكم قرون فدا لن يزحزح ما في قلوبنا ضد الكيان الصهيوني المغتصب المحتل. هيبان على مدار الرحلة القادم المحاولات الصارخة في إقناعنا بالتطبيع بأشكال قد تكون أحيانًا غير مباشرة إلا أنها فجّة وكانت بتضايقيني شخصيًا. المحاولات دي مش من الخارجية ولا من صميم البرنامج، إنما وضعت من أفراد بسبب سلطتهم القوية في البرنامج، يعني أنا رأيي البرنامج مش مصمم ليخدم هذا الهدف، لكن زي الصهاينة ليهم سيطرة في أشياء كثيرة في أمريكا خلال اللوبي الصهيوني، ليهم سيطرة في برنامجنا وحاولوا يعملوا فيه كدا.

وفي رأيي المتواضع، دا قد يكون حجر الزاوية في التعامل مع أعداء كتير، خليك ضدهم وحاربهم، وفي نفس الوقت ممكن تتجنب الصدام المباشر الذي لا قيمة له وتبتسم وتضحك عادي، لما كنت بافكر في الصهاينة اللي قابلتهم في البرنامج، أرجع بدماغي لمصر وافتكر الناس السيساوية اللي بعاملهم بطبيعية وأنا أكنّ لهم كل بغض، الأكتر من كدا، إننا عندنا أصلًا للأسف صهاينة عرب بل ومسلمين كتير، دا الصهيوني الغير عربي أو مسلم وخاصة لو يهودي، أهو ممكن نلتمس له مبرر إنه يكون كدا! ووطأته أقل علينا من العربي أو المسلم الصهيوني! واستقر في نفسي إن معركتنا الأولى "الفكرية" تكون مع هؤلاء العرب والمسلمين قبل غيرهم، كيف نريد أن نتخلص من الكيان الإسرائيلي المحتل؟ مستحيل أن نفعل قبل أن نتخلص من جذوره وما زرعه وحصده في كثير من بلاد العرب والإسلام!

بعد آخر يوم، وبعد التواجد في عدة كنائس وملاحظتها، زينب أبلة كانت تقولي، دايمًا في الأغلب الأعم تلاحظ معظم كنايس أمريكا كلها عجزة، وتلاقي الشباب نادر، الدين لا يستقطب الشباب ولا يهمهم إلا نادرًا جدًا، وتلاقي السواد الأعظم في الكنائس للعجزة وكبار السن، على عكس الإسلام اللي الشباب المسلم لما يربطه بحياته بيكون هو نواة ومحور حياته كلها، طبعًا دون أن ننكر أن كثيرًا من الشباب تنكر للدين، لكن القصد أن هناك أمل وهناك الكثير من الشباب حياته كلها مرتبطة بالدين على عكس مشاهداتنا في أمريكا بالنسبة لغير الإسلام.

النهاردة يومنا طويل، هنبدأه بالذهاب لما يمكن أن نسميه بالعربي مبنى محافظة فيلادلفيا، رايحين المبنى الذي تدار منه فلادلفيا وفيه العمدة، وكان معادنا الصبح بدري، دخلنا المبنى الشاهق العريق، كل حاجة بنظام، وصولنا مترقب وأسماءنا في كشوفات الدخول، كنا واقفين وحد بيقولنا القسم اللي تحت دا للصرف الصحي، ودا لكذا، لفت انتباهي جدًا قسم الصرف الصحي وقد ايه هو منظم ونضيف زي الصرف بتاع البلد! شوفنا الموظفين وهما بيدخلوا في مواعيدهم وقاعدين على مكاتبهم، وشوفنا مواطنين واخدين مواعيد لمقابلة موظفين، علشان شكوى أو حل مشكلة أو خلافه.

طلعنا فوق، ودخلونا غرفة اجتماعات المحافظ على ما أتذكر، وناس بترحب بينا من كل حدب وصوب، وقاعدين على طاولة اجتماعات فخمة جدًا في أوضة فخمة جدًا، بدأ واحد مكسيكي الأصل ماسك منصب مهم في المحافظة يكلمنا عن الهجرة وأهميتها واهتمام الحكومة بيها، قالنا اختصارًا قد ايه الهجرة مؤثرة بإيجابية على الاقتصاد والتنوع الثقافي والحضاري لأمريكا، وإنها بلد أصلًا ليس لها عرق معين بكل نشأت بهجرة ناس من شتى أنحاء العالم لاستيطان الأرض - بعد إبادة الهنود الحمر - ومعلومات مشوقة زي إن اللي بيهاجر بيكون لديه حافز ضعفين لتلات أضعاف من اللي عايش في البلد إنه ينشأ مشروعة الخاص ويكون رائد أعمال، وإنهم الأكثر تطويرًا لأنفسهم من الناحية التعليمية، وضربنا أمثلة بشركات ضخمة ونسبة تأثيرها على اقتصاد أمريكا أنشأها مهاجرون لأمريكا، وبعد كدا اتكلم عن موضوع الهجرة الغير شرعية، واستفهمت منه بعدها إن كانت الحكومة ضده الهجرة عمومًا والهجرة الغير شرعية خصوصًا، نفى وقالي لأن إحنا مع الهجرة جدًا لأنها بتبنى وتعمر بلدنا وتقوي اقتصادنا، وقال إن الهجرة الشرعية بأساسها حاجة مش مظبوطة أوي ولكن لو فكرت فيها بآدمية أكيد اللي بيهاجر غير شرعي دا يائس وعاوز فرصة أفضل في الحياة والمعيشة، وطالما خلاص وصل أمريكا فمن هنا هو موجود في البلد بالفعل وتعامل مع الموقف بإنسانية، قال إن ليهم شعار في المحافظة هنا لما بيتعاملوا مع المهاجرين، سواءًا شرعيين أو غير، بيقول: أنت لا تقول، ونحن لن نسأل. فأنت متقولش إنك مهاجر غير شرعي وأنا هاقدملك الخدمات اللي أقدر أوفرهالك وأنا من ناحيتي مش هسألك عن الموضوع دا، قالولنا كمان عن مشكلة إن الإف بي آي كانت بترحل مهاجرين غير شرعيين بدون ذنب، فأحيانا مهاجر غير شرعي يروح قسم شرطة في أي تهمة هو برئ منها أو أي شيء عادي تاني زي إنه يبلغ أو يشهد في حاجة، فبصماته تروح تلقائيًا للإف بي آي فيترحل حتى لو كان هو برئ أو مش متهم من الأساس، والموضوع دا اتحل في فلادلفيا وبنسلفينيا من 4 شهور فقط، إن البوليس ومحافظة المدينة بطلوا يبعتوا للأف بي أي بعد أن حاربوا لإصدار قانون إنه مش لازم نبعت للإف بي آي إلا لو الشخص دا مجرم وعمل ما يستحق إنه يترحل علشانه.

وعلشان أنا بقيت على دراية شوية بموضوع الهجرة وخاصة الهجرة غير الشرعية، أقدر أفصلكم فيها شوية لمجرد العلم بالشيء، أولًا القاعدة البسيطة جدًا في الموضوع دا بتقول: طالما أنت في أمريكا وجوا البلد خلاص ووصلت، تقدر تكمل عيشة فيها بشكل قانوني حتى لو أنت مهاجر غير شرعي، المشكلة كلها تكمن في وصولك ودخولك أمريكا، سواءً هجرة غير شرعية أو فيزا وهتتكسر، الموضوع ببساطة إنك بمجرد ما تكسر الفيزا مثلًا أو توصل لأرض أمريكا محتاج تعمل حق لجوء سياسي بيسموه في الانجليزي asylum، بس بيكلف حوالي 5 آلاف دولار مصاريف المحاماة وخلافه إلا لو ليك طرق أخرى، وبيتحكم خلال سنتين إذا كنت تستحق اللجوء السياسي ولا لأ، وعاوز أقول إن كمان خلال السنتين دول بيكون معاك ورق إنك رافع قضية لجوء سياسي، وبالورق دا تقدر تعيش في البلد وتشتغل وكمان ممكن تدرس عادي، 99% من قضايا اللجوء السياسي بيتحكم فيها لصالح المتقدمين في أمريكا، لأنك ببساطة في أي بلد خاصة في بلادنا والشرق الأوسط وأفريقيا وحتى آسيا تقدر تثبت إنك مضهد، حتى لو في بلد زي السعودية، أو حتى في بلدان الخليج اللي فيها الحريات قليلة ومكبوتة لحد كبير، فما بالك بمصر، بل وإن اللجوء السياسي كان شغال للمصرين في أمريكا من أيام "الاستقرار" ومبارك، فما بالك ببعد الثورة واضهاد المسيحيين"اللي هوا علطول وكدا!" والإسلاميين وبعد الانقلاب وعدم الأمن والأمان في البلد؟ أي حد يقدر ياخد لجوء سياسي في أمريكا ببساطة.

تعالى بقى يا حلو تعرف بقيت التفاصيل، السنتين اللي بيتحكم عليك فيهم، تتبعهم بحوالي 8 سنين تعيش فيهم كلهم كمواطن صالح منتج ومفيد علشان بعد كدا تعمل إجراءات الجرين كارد، وخلال كل دا مينفعش رجلك تخطي برة أمريكا، لأنك لو خرجت منها مش هترجع تاني أبدًا، منين بتقول إنك عاوز تلجأ سياسيًا في أمريكا ومضهد في بلدك وملكش مأوى تاني في العالم ومنين عاوز تخرج؟ والشروط دي علشان محدش يستنصح، لأ وخد الكبيرة، لو ليك شوق في الجنسية فأنت هتكمل بعد دول 5 سنين برده بدون انقطاع علشان تاخدها، يعني حد أدني من 8-10 سنين مينفعش تخرج فيهم برة أمريكا بعد ما قدمت على اللجوء السياسي، ولو خرجت مترجعهاش تاني، وما بين 13-15 سنة متواصلين علشان لو حابب تاخد الجنسية، كل دا وأنت مواطن صالح وعمرك ما عملت حاجة واتشديت على قسم شرطة ودايمًا شخص منتج ومفيد للوطن الأمريكي!
بصراحة الموضوع دا معقد، بس صح جدًا، علشان يضمنوا إن مش أي حد ياخد الجرين كارد ولا أي حد ياخد الجنسية.

وبكدا تقدروا تعرفوا ليه، لما باروح السفارة والأمريكية بلاقي طوابير التقديم للهجرة والسياحة للي عاوز يكسر فيها ولا طوابير العيش، وليه حوالي 99% من طلبات الهجرة والسياحة دي بتترفض، لأنك بمجرد دخولك أمريكا، فتقدر تكمل فيها وتعيش بكل بساطة وسهولة، مع تنازلات زي إنك مترجعش بلدك بحد أدنى 8 سنين. وشوفت أمثلة حيّة على الموضوع دا هذكر منه مثال في وقت لاحق.

المثير للاستفزاز، هو إن معانا مستويات كانت في الحضيض في الانجليزي، منعرفش اتقبلوا وسافروا على أي أساس، أقدر أقول إن الانجليزي في تركيا كان ضعيف بنسبة كبيرة، وفي العراق كان نص ونص، ومصر كانت تعتبر من أفضل البلاد اللي طلابها بيقدروا يعبروا عن نفسهم، ولبنان هم الأفضل بلا منازع. لكن الموقف المستفز إن بعد ما خلصنا، محمود قالي تعرف إن "الشخص" الفلاني جه يسألني بعد محاضرة ساعتين أو أكتر بنتكلم فيها عن الهجرة، وذكرنا كلمة هجرة أكتر من عشروميت مرة، وكان السؤال "يعني ايش immigration؟"، لحظة صمت، وشلل!

قام بعد المكسيكي الأصل واحد كوري الأصل، بيتكلم عن الخدمات اللي بتقدمها المحافظة للمهاجرين، وقالنا مشكلتي الرئيسية في خدمة المهاجرين تكمن في حاجة واحدة "ركن الثقة"، قالك يا سيدي هو بيحاول خلال أنشطة كتير تقديم دعم وأحيانا تمويل للمهاجرين، أيون هي بتكون عملية طويلة شوية وبتاخد وقت لأن طبيعي الحكومة مش هتمول أي حد كدا وخلاص، لكن المشكلة اللي بتقابله أن المهاجر يثق فيه ويتابع معاه، وميحسش إنه عاوز يضحك عليه أو ينصب عليه، المشكلة إن كتير من المهاجرين بتعرضوا لعمليات نصب من ناس مثلًا معاها شهادة قانونية أو حقوقية ملهاش لازمة ويقولوهم إحنا هنعملكم إقامة أو حاجات تانية، والحكومة دايمًا بتنبه إن التعامل يكون مع الحكومة نفسها مش مع وسطاء، أنا طبعًا طول المحاضرة والشرح باتعجب ازاي الحكومة بتحاول تساعد بس الناس أحيانًا بتنفر وبتخاف، شوف سبحان الله! ميا وتمانين درجة اختلاف عن اللي عندنا خالص.

كان مجموع محاضرات مبنى المحافظة حوالي 4 ساعات، سمعنا فيهم وسألنا عن الهجرة، والهجرة وعلاقتها بالتنوع الثقافي، العلاقات الإنسانية، والأنشطة اللي بتنظمها المحافظة احتفاءً بالتنوع الثقافي والحضاري والخلفيات المختلفة لسكان المدينة، لدرجة إنهم بينظموا حفلات علشان يربطوا ويعرفوا الناس بثقافات بعض. وماله! قبل وأثناء المحاضرات كان بيتوزع علينا ورق كتير جدًا بكتير من الأنشطة المتعلقة بالمواضيع اللي اتكلمنا فيها، وفايل محترم جدًا فيه ورق كتير عن المحافظة، وشوية هدايا رمزية زي دبابيس بدل وحظاظات وأقلام، ومنديل نضارة شيك أوي يعني. الناس دي رايقة، واستقبلونا زي ما بنستقبل في كل مكان 20 من شباب القادة في الشرق الأوسط، قالك! خلصنا وأخدنا صورة جماعية مع الناس المحترمة دي، اللي هما أصلًا كتير منهم مهاجرين أو آباءهم مهاجرين ودلوقتي بيشتغلوا في مناصب حكومية مرموقة، وهم جزء لا يتجزء من نسيج المجتمع، وأصبحوا مواطنين أمريكان بعد رحلة كفاح وعمل دؤوب.




بعد كدا كان عندنا جولة فنية عن حاجة اسمها "Mural Arts"، ودا باختصار زي الجرافيتي بس مختلف عنه بشكل كبير، الجرافيتي قد يكون عشوائي ورسم مباشر على الحوائط، المويرال آرت من ناحية تانية هو رسم على طبقة شفافة وخفيفة جدًا، ولما الرسمة بتخلص ببتلزق على الحوائط، ييزينوا بيها جدران البيوت والمستشفيات والحوائط الكبيرة في المدينة، والمشروع دا في فلادلفيا ممول من الحكومة، والمشروع مش موضوع رسم على الورق الخفيف دا وتزيين الشوارع وخلاص كدا، لا لا لا. الموضوع أكبر من كدا بكتير، روحنا لغاية مكتب المشروع، وكانت معانا مرشدة منه اسمها سارة. أولًا الفن دا بيتعرف على أنه مضاد للجرافيتي وعشوائيته وتخريبيته، وأن أي حد بيكتب كلام أو يرسم حاجات قد تكون نابية أو تافهة. الفكرة الإبداعية فيه إنه بيتبع حاجة اسمها "الطب الفني" أو العلاج بالفن، وإن النوع دا من فنون الرسم، بيستقطب المرضى والمدمنين والمرضى النفسيين، علشان يخلوهم يشاركوا في عمل جميل وإبداعي يضفي لمحة فنية على مدينتهم، وكمان هما اللي بيصمموا وبيشتغلوا في المشروع بإديهم تحت إشراف رسام أو فنان محترف. بتبسيط شديد، الحكومة بتدفع للمشروع دا وبتموله علشان المشروع يروح المصحات ويجتذب المرضى ويخليهم يساهموا في عمل فني يسهم في علاجهم وفي انخراطهم في المجتمع، علشان ينتجوا حاجة تزين المدينة كلها. من الرائع إن فلادلفيا هي المدينة التي تحظى بأكثر نوع من هذا الفن ففيها 3600 ميورال آرت لو الذاكرة مخانتنيش، في كل حتة في فيلي هتلاقي الفن الرائع دا، وبيكون ذا مغزى ورسالة جميلة. في مستشفى عام على طريق برود واي، كانوا راسمين رسومات عن المرضى وتماثلهم للشفاء والرحلة اللي بيمروا بيها من ألم وصبر لغاية ما يتماثلوا للشفاء، رحنا كمان ورا مصحة نفسية، والرسمة ورا المصحة كبيرة أوي اللي عملها مرضى منها، وفيها مراحل علاج الإدمان وازاي الواحد بيمر بمرحلة زي الانسحاب ولغاية ما يشفى وبعدين راسمين طريق بيمثل لحياة جديدة هيعشها المقلع عن الإدمان. سألنا سارة بيكلف قد ايه الواحد من دا، قالتلنا الرسمة دي بـ70 ألف دولار، والطبيعي والمتوسط بيكلف من 10 لـ15 ألف دولار. يا بلاش! بس من ملاحظتي إن الحكومة الأمريكية مبتصرفش حاجات كدا في الهراء والفضاء، ومهماش لاقيين الفلوس في الشارع، بيصرفوا على حاجات ذات معنى وقيم لو حتى معنوية، لو حتى بتشارك في تخفيف آلام ناس وتزين الشوارع والحوائط. بل والشخصيات المرسومة في الغالب بتكون حقيقية كمان. كان شيء مبهج جدًا.



خلصنا ومفروض إننا نرجع مبنى المدينة الجامعية، لكن واحنا رايحين في الطريق الاتوبيس كان بينتش وبعدين اتعطل، في دقايق اتصلوا وبعتوا جابولنا أتوبيس تاني من الجامعة، اللي أصريت إني أتصور معاه، وأنا أردد المقولة الشهيرة: يا حبيبي يا أتوبيس!



رجعنا وكان عندنا وقت فاضي، قررنا محمود ومحمد ومارك والعبد لله نتمشى شوية في الجامعة، مش أول مرة نتمشى فيها طبعًا، وكمان نروح المكتبة بتاعة الجامعة ونلقي نظرة عليها، جامعتنا جميلة جدًا والحرم الجامعي كله أشجار وحاجات تمتع العين "ياريت كله يصفي نيته ويفهم كلامي صح"، ومباني الكليات شكلها فني وتفتح النفس، والخضرة في كل حتة، قعدنا نصور شوية حاجات وبعدين توجهنا للمكتبة. اللي يحز في نفسي إن المكتبة دي عادية، زي مكتبة أي جامعة متوسطة عندهم عادي يعني، المكتبة أربع أدوار، فيها غرف مقفولة لو عاوز تقعد في أوضة مقفولة لوحدك، فيها كراسي مريحة للي عاوز يستجم ويقرأ، فيها مكاتب، أيوا زي ما باقول كدا، مكتب معزول ومتقفل عن اليمين وعن الشمال لو عاوز تقعد تذاكر أو تقرأ، فيها أجهزة كمبيوتر، وفيها كتب في كل المجالات وتقريبًا بكل اللغات العالمية، لقيت كتب إسلامية كتير جدًا، ولقيت كتب بالعربي، وموسوعة عن اللغة العربية، ولقيت قاموس أكسفورد الأصلى الكبير، طبعًا قواميس أكسفورد بالنسبة لناس كبير هو القاموس التعليمي بتاع الطلاب دا، أيوا هو أصلي بس مش دا قاموس أكسفورد الأساسي المعجم، الأصلى والمحيط والموسوعي دا عشرات المجلدات، الكاميرا عرفت تجيب بتاع ربعه أو أكتر شوية. 






توجهنا بعدها لمبنى محاضرتنا واسمه "توتل مان"، وحابب هنا أقول حاجة مهمة جدًا موجودة في معظم إذا مكانش كل الجامعات في أمريكا ومنظمات المجتمع المدني وغيرهم، إنهم أحيانًا كتير جدًا بيسموا المباني على أسماء أشخاص ليهم فضل على الجامعة أو المكان دا، أو رجال أعمال كتير جدًا بيمولوا بناء مبنى تعليمي أو سكن طلابي فبيتسمى باسمه، وبكدا هو عمل خير ونفع بلده وخلد اسمه. فمثلًا المبنى اللي عايشين فيه اسمه "مورجان هول" على اسم واحد اسمه مورجان، واللي بندرس فيه اسمه "توتل مان" على اسم واحد، وهكذا. كان عندنا ورش عمل عن القيادة وعن الحوار، وكان عندنا مهارات في كلا الموضوعين، درسهم لينا د.ريبكا وجوليت وجولي.

أول حاجة كان اسمها "حوض السمك"، ودا أسلوب في النقاش، إن الناس بتقعد دايرة كبيرة، وفي النص عدد من الناس اللي بتتناقش، اللي برة ممكن يرفع ايده ويعلق أو يسأل، واللي جوا الدايرة هو اللي بيقوم بالدور الأساسي بالتناقش في موضوع مختلف عليه، د.جوليت قالت مين يحب يبدأ وتحبوا تبدأوا بموضوع ايه، كان فيه اقتراح طلع عن اسرائيل، بس قفلناه بسرعة، مش عاوزين نولع في حد واحنا قاعدين، طلع موضوع لذيذ وعليه خلاف ما بينا وهو الأكل في "بندل هيل" أول ما وصلنا أمريكا، أكل كله صحي وأورجانيك، وناس كتير كانت بتكرهه، أنا من الناس القليلة جدًا اللي حبوا أكل بندل هل الصحي عادي جدًا، طلعت أنا ومحمود في نقاش ساخن وكان مليان ضحك وهزار، فهو بيقولي أنت حابب ايه في الأكل يعني؟ باقوله صحي ولذيذ وحلو، مش كويس إننا ناخد بالنا من صحتنا، مش صح كدا يا دكتور ولا ايه؟ قالي كل الناس كانت كارهة الأكل، قولتله أنت اتكلم عن نفسك بس. طبعًا الحوار كان أكتر من كدا بشوية، وبعد ما خلصنا سمعنا شوية تعليقات، أنا غلطت في إني اتكلمت وأنا باتناقش معاه وتهكمت عليه وباقوله: مش صح كدا يا دكتور ولا ايه؟ وهو لما عمم وقال الناس كلها معجبهاش الأكل، كان عادي جدًا لو قال الأكل دا مكانش عاجبني وأنا مكنتش مبسوط بيه، وتعليقات كانت مفيدة من د.جوليت وبعض الزملا وهنا، وفيه ناس قالوا إني كدا فزت في النقاش، لكن الحقيقة إن دي مش مناظرة ولا جدال، دا مجرد نقاش ومفيهوش فائز وخاسر، لازم الناس كانت تفهم النقطة دي.




بعديا أنا ومحمود كان فيه تجربة تاني لطريقة "حوض السمك" بين إبراهيم وآنا ماريا - لبنانية - ومش متذكر الموضوع خالص، وبعد كدا كان فيه تقنية تاني اسمها "سلم الاستدلال" وبيتكلم عن ازاي متقومش بأحكام مسبقة عن طريقة عدم فرض شيء غير متأكد منه، وتكوين قناعات ثم تبني عليها أفعال كلها مبنية على استدلالات خاطئة، دايمًا اسأل واتأكد من مقصد اللي بيتكلم قدامك لو اللي قاله مش واضح بالنسبالك 100%. وبعدين د.ريبكا شرحت حاجة اسمها "خريطة التعددية" بتتكلم فيها باختصار عن القيم المشتركة، وإن قيمة قد تقع لدي فريقين بأنها فكرة إيجابية بالنسبة لهم، وعملتلنا مثال على كدا مع المؤمنين بوجود إله والملحدين، وحصل بالفعل في النص إن مثال كان قيمة إيجابية عند الاتنين، وهو إعمال العقل، فالملحد قال أنا أعمل عقلي والعلم بيدفعني لكدا، والمؤمنين قالوا وإحنا كذلك نعمل عقولنا وهو أمر إلهي، وخريطة بتكون مقسمة لأربع جهات، مميزات وعيوب كل وجه للمناقشة ويتحطوا فيهم، وطبعًا كمؤمنين بوجود الله لا نؤمن أنه هناك في ذلك عيب أو سلبية، قال الملحدين تعيش حياتك بدون قيود وتتمتع بها كلها، قلنا نتمتع بحياتنا على مراد الله ثم إذا رضي الله عنا تمتعنا كذلك في الجنة في الآخرة. المهم كانت وسائل تعليمية مفيدة، خلصنا والواحد ذهنه مرهق من طول اليوم.

خلصنا وكان اليوم دا جايكوب عامل فكرة إن كل واحد يعمل أكلة ويا حبذا لو من بلده، ونفطر كلنا سوا، جايكوب كان صايم معانا بس كان بيشرب ميا بس صيام تعاطفا مع غزّة، احنا كمصريين أصليين ولاد بلد، طبعًا طرقعنالهم، ورحنا السوبر ماركت جبنا "فطيرة تفاح" وشوية حلويات وجبنا حاجات ساقعة وشيبسي، قال إحنا نطبخ قال! وبعدين إحنا البلد الوحيدة اللي مش طالع منها بنات، ودي صدفة بحتة تحصل لأول سنة تقريبا، بس كان الموضوع دا مريح ليا شخصيًا، جايكوب طباخ جامد جدًا، وبيربط بين دراسته والطبخ بطريقة رهيبة، طبخلنا أكل أمريكي بلحمة حلال وكان جميل جدًا، عيش توست وجواه لحمة بخلطة وعليهم تفاح وحاجات كدا قد يكون تخيلها غريب بس طعمها جميل جدًا، من لبنان البنات عملوا تبولة وشوية حاجات، من تركيا عملوا رز وأكلة تركي، وزينب أبلة عملت طبيخ جميل وحمص "محترفة حمص"، والعراق مش عارف طبخوا ولا عملوا ايه في دنيتهم، فادي جاب معاه فلافل شامي وشوية سلطة، وفي النهاية كان أكل من أشكال وأنواع وبلاد كتير، وكان فطار شهي كالعادة، الحمد لله!
كله كان بياكل معانا في معاد الفطار، ودي كانت أول مرة أقوم طالع سلم الدور اللي فوق وأقف عليه وأأذن للمغرب، كنت مبسوط مش علشان أنا أذنت، بس علشان إحياء شعيرة جميلة الواحد مفتقدها بشكل كبير في أمريكا. اليوم دا زي أيام كتير المطل هطل بغزارة، والبرق والرعد كنا بنشوفهم في كل حتة، والموضوع دا مبهر خاصة لينا إحنا المصريين، صورت فيديو قصير.



أكيد نمت زي القتيل بعد اليوم الطويل دا سواءً إذا كنا قضينا السهرة عند صالح آبي وزينب أبلة ولا صلينا المغرب والعشا وفلسعنا. أنا فاكر اليوم دا اشتريت بفيزا الانترنت بتاعتي أجهزة موبايل وتاب كنت عاوز أجيبهم لأسرتي، وعلشان منساش ساعتها، الحاجات وصلت كلها خلال إسبوع، وبيجيلك إيميل تتابع خط سير البضاعة وأمانها، كانت أول مرة اشتري حاجة من على الانترنت بس كانت تجربة ممتازة، كنت هشتري مرة في مصر من سوق.كوم بس رجعت في كلامي. لما المشتريات بتوصلك على مبنى المدينة بيبعتولك من الاستقبال تحت إيميل، ويكتبوا ورقة ويعلقوها على أوضتك إنك جالك طرد أو رسالة، وبعد كان يوم وصلتني رسالة من البنك فيها الفيزا اللي مكتوب عليها اسمي.

 تاني يوم الصبح كان فيه محاضرة تقديمية لما يسمعى "خطة العمل" وهي إن كل طالب قبل ما يرجع لازم يجهز خطة عمل، ويستحب لو أخد بنصائح د.ريبكا في نتيجة الاستبيان اللي عمله والفرق بين تسامحه على الورق وفي الحقيقة، خطة العمل قد تكون أي شيء مبني على هذا البرنامج، من بداية بسيطة إن واحد يجمع أهله ويفرجهم على الصور ويحكلهم، وأو يجمع عيلته ويحكيلهم عملوا ايه، لأنشطة كبيرة ومحاضرات كبيرة، وحاجات هذكر منها أمثلة بعدين، ود.ريبكا قالتلنا ممكن خطة العمل تكون أي حاجة، وقعدت تقولنا على الأهداف المئوية والألفية للأمم المتحدة سواء في التعليم أو سد الجوع وغير ذلك. وكل واحد حر يعمل اللي هو عاوزه، المهم يبني أي حاجة عملية مبنية على تجربته في البرنامج دا، أي حاجة ولو بسيطة جدًا. وكان كله لازم يقعد يكتب مسودة عن خطة العمل في دماغه ويعرضها على د.ريبكا أو ييني اسمها برده "ميلاني"، وبما إني كنت ناوي أعمل مدونة وأكتب فيها تجربتي لما أرجع، فقولت في نفسي "أنتوا عاوزين خطة عمل لما أرجع؟"، طيب إشطة أنا هعمل مدونة، وأنا كدا كدا كنت هاعملها، كتبت المسودة وسلمتها لييني.

بعد كدا كان عندنا محاضرة تقديمية عن مقابلة "الأسر المضيفة" اللي هنقضي معاهم ليلتين، من أول ما رحنا خلونا نملى استبيان عن هل فيه شروط خاصة بينا نحب تكون موجودة في أسرتنا المضيفة من عدمه، بالنسبة للأكل والأكل الحلال، بتحبوا الكلاب ولا عاوزين أسرة مفيهاش حيوانات، وزعوا علينا العائلات، العائلات دي متطوعة لاستضافتنا عندهم يومين في بيوتهم، معظم العائلات يهودية، والعائلة المسلمة الوحيدة بفضل الله كانت من نصيبي أنا ومحمود، كلها عائلات أمريكية، عائلتنا مسلمين من بنجلاديش وعايشين في أمريكا طول عمرهم وأصبحوا أمريكان، الفكرة من التجربة دي إننا نعيش مع عائلات أمريكية ونخوض تجربة الأسرة الأمريكية ونعيش تفاصيلها. النهاردة باليل هنروح حفل لقاء وتعارف مع الأسر دي، علشان نكون اتعرفنا وشوفنا بعض ومنروحش عندهم البيوت من الباب للطاق كدا، مطلوب من كل واحد وواحدة مننا يلقوا خطاب تعريفي عن نفسهم في دقيقتين وقت، وبدأنا ورشة عمل كل واحد يجهز خطاب تعريفي عن نفسه في خلال دقيقتين، أنا الحمد لله مواجهتش أي صعوبة في الحوار دا، خلصته كله في كام دقيقة، بس لما تخلصه لازم تعرضه إما على ميلاني أو د.ريبكا أو صالح آبي أو زينب أبلة، فضلت مترصد ومش عاوز أروح لأي حد فيهم إلا لو صالح آبي أو زينب أبلة خلصوا اللي معاهم، رحت حجزت دوري مع زينب أبلة وقولتلها خطاب وعجبها جدًا وقالتلي تعديل بسيط في المصطلحات، وقعدت تضحك كتير لأني كنت ناوي أخليه خطاب ظريف ولطيف وخفيف وفي نفس الوقت في الصميم. قالوا لو كل واحد حابب يلبس لبس يعبر عن ثقافته يبقى فل أوي. التعارف والمقابلة بينا وبينهم والعشا هيكون في بيت د.باربرا.

على الريق كدا كان عندنا حاجتين كمان، كلام عن النماذج المجتمع المدني للحوار، وكيفية الانخراط في العمل الميداني وتأثير دا على خطط العمل اللي ممكن نعملها، كمان كان عندنا محاضرة تقديمية عن عرض للبلاد، إن كل واحد فينا هيعرض ويتكلم عن بلده، سواء مشاكل موجودة فيها، أو حاجة نفسه تتطور فيها، بس مش كل واحد لوحده لأ، دا كل وفد من بلد لازم يعملوا عرض مع بعضهم عن بلدهم وأدونا خطوط عريضة عن حاجات ممكن نعمل عنها العرض دا، ومفروض نعمله في خلال يومين وبعد كدا هنعرض، خلصنا وأخيرًا راحة لغاية الساعة ستة وبعدين هنتحرك لبيت د.باربرا.

نزلنا وسط البلد نتسوق، رحنا آبل ستور تاني، أنا معنديش مشكلة أروح كتير، كدا كدا مش هشتري، كل الأجهزة بداية من اللابات للأم بي ثري المعروضة ممكن تستخدمها وتقعد على الانترنت، واتصورت طبعًا جوا هذا الكوكب، وكان أول مرة أشتري لبس، اشتريت قميص عاجبني ونازل عليه خصم من زارا، ولفينا شوية في وسط البلد وبعدين رجعنا علشان نلحق نغير ونظبط ونروح على بيت باربرا.



لبست جلابيتي والشال بتاعي، تهنا كتير جدًا عقبال ما وصلنا البيت، وكان بعيد نسبيًا عن فلادلفيا، كتير من الأغنيا يحبوا يعيشوا في الضواحي في الهدوء والخضرة بعيد عن المدن والزحمة والتلوث، دا على أساس إننا هنفرض جدلًا إنها زحمة وملوثة بالنسبالهم، كانت عاملة الأكل كله سمك، لأن اليهود المتدنين بيلتزموا بطريقة أكل معينة فيها حدود ومعايير أصعب حتى من الأكل الحلال بمراحل كتير جدًا، اسمه الأكل "الكوشر"، وأقدر أقول من واقع التجربة إن كل كوشر غالبًا حلال، لأن معايير الكوشر أشد، بل وفيها تعسير، والحلال يسير بفضل الله. كان فيه فرقة موسيقية في البيت بتلعب مزيكا، صورتلهم كذا فيديو، وبعدين بدأوا يغنوا أغاني عن أمريكا، وإنها بلد لكل الناس من شرقها وغربها، يعني حاجة زي مشربتش من نيلها كدا.





وبعدين اتجمعنا عندها في التراس، مكان كبير وفيه كراسي، وبدأوا يقدموا، وبعدين كل واحد فينا طلع يعرف نفسه، وأنا كنت قبل قبل الأخير على ما أذكر، معظمنا كمصريين ضحكنا الناس جامد جدًا، خاصة مايكل ومحمود ومحمد، كلمتي كانت: "السلام عليكم" قولتها بالعربي، اسمي يوسف صالحين، افتكروا الاسم دا كويس واحفظوه، وكنت مجهز خريطة مطبقة لأمريكا في أيدي، وقولتهم الخطاب بتاعي؟ آه صحيح، ورحت فارد الخريطة، فالناس ضحكت، وهنا محمود بدأ يصورني الفيديو، كملت كلامي: أنا طالب أدرس الدراسات الإسلامية بالإنجليزية في جامعة الأزهر، أعرق وأكبر وأقدم جامعة سنية في العالم، وواحدة من أول جامعات الدنيا، وبادرس دبلومة ترجمة في الجامعة الأمريكية في القاهرة، أنا من أسرة حبوبة مسلمة سنة متدينة، ولدي 3 ملائكة صغار، اخواتي الأصغر مني. اشتغلت عدة حاجات في حياتي منها إني أؤم الناس في الصلاة وخاصة في رمضان وأخطب الجمع. الحاجة اللي غيرت حياتي رأسًا على عقب كانت ثورة 25 يناير، طبعا كلكم تسمعوا عنها، وفي خلال التلات أربع سنين اللي فاتوا أصبحت إنسان ثوري جدًا، وفي الفترة المؤخرة بعد الانقلاب وأصبحت متحدث رسمي باسم حركة طلاب ضد الانقلاب للإعلام الانجليزي والعالمي، وحابب أقولكم انا في بلدي لا أعد إرهابي وبس، لا دا أنا من قادة الإرهابيين، خلوا بالكوا يعني!
وباوجه تحذير لأسرتي المضيفة، أنتوا لو محققتوش كل رغباتي على سبيل الافتراض لو حابب أروح ديزني لاند، لازم ولابد تحققوها، وإلا والله حرفيا هتظاهر واعتصملكم في قلب الصالة عندكم في البيت!
بجد عاوز أقول، نفسي إن شاء الله في يوم من الأيام أكون مصدر فخر لأسرتي في بلدي، وكمان لأسرتي المضيفة هنا، وشكرا لكم جميعًا. ودا الفيديو. دكتورة جوليت طبعا جت كالعادة وقالتلي كنت رائع، قولتلها الله يجبر بخاطرك يا أم سحلول. وقالتلي جوزي هناك أهو، بصيت عليه، لابس الطاقية اليهودي، قالتلي ابقى روح اتعرف عليه، قولتها عنيا، وطبعا طنشت ومروحتش.



وقت الفطار جه، وهجمنا على الأكل هجمة رجل واحد وقضينا عليه حتتك بتتك "محدش يسألني يعني ايه"، وقعدنا نتكلم شوية، اتعرفت على أسرتي أنا ومحمود مع بعض، أسرة "زكية إسلام"، زكية دكتورة بتدرس الإسلام في جامعة تيمبل، وصوفية جدًا، ابنها اسمه زيا، واد زي العسل، درس الإخراج في جامعة تيمبل برده، والده مجاش، بس والده دكتور، فكان التوصيل بيني أنا ومحمود والعيلة دي جميل جدًا، لأني كنت اسأل ربنا متكونش عيلة فيها بنات ولا شابات، مش ناقصين، وكمان الوالد دكتور ومحمود طالب طب، والوالدة دكتورة في الدراسات الإسلامية وهو تخصصي، والولد زي العسل وشاب محترم وجميل جدًا، اتعرفنا عليهم وقعدنا نحكي شوية، وعرفت زيا على واحد صاحب جايكوب اسمه اندرو وفي نفس التخصص برده دارس صناعة أفلام، وأنا باشرب حاجة ساقعة، حد سأل بنت أمريكية دينك ايه، فقالت نص يهودية ونص مسيحية، فالتفت وسألتها طول عمري نفسي أفهم يعني ايه نص ونص دا. أمها باين كانت واقفة وافتكرتني باتريق، راحت رادة عليا بأسلوب حاد وقليل الذوق: تفتكر يعني ايه، نصها الفوقاني والتحتاني؟ قولتلها لأ حضرتك أنا بسأل علشان أعرف لأني مش فاهم؟ قالتلي: يعني والدتها يهودية ووالدها مسيحي، وعرفت بعد كدا إنهم بيحتفلوا بأعياد الدينين والحقيقة مهواش دين يعني، بس بيهيصوا هنا وهنا وخلاص. قولتلها شكرًا بطريقة ترد قلة ذوقها، وسبتها وهي بتكمل كلامها ومشيت. ركبنا الأتوبيس ورجعنا البيت، وفي الطريق كلمت حد من أصحابي الأمريكان اللي كنت قابلتهم في مصر، وحكيتله على حاجات كتير عملتها في أمريكا، واتفقنا نتقابل في واشنطن. وروحت قوقزت لأني كنت هاموت من قلة القوقزة.
_________
ألبوم الحلقة
  • تعليق
  • 0 تعليق

0 comments:

Post a Comment